تأثير الأب النرجسي على أبنائه
وكيف يسمم علاقاتك
بقلم: ليلى سليم
الأب النرجسي: كيف يؤثر على أبنائه؟ حتى يومنا هذا |
الحب الأبوي هو حب مثالي غير مشروط وهو الحب الذي يعطي بدون مقابل. لكن عندما نتحدث عن الأب النرجسي، فإننا نتكلم عن نمطًا من السلوك الذي يمكن أن يسمم علاقات الأبناء من الطفولة حتى يومنا هذا.
في أحدى المرات حضرت السيدة (ك) إلى جلسة العلاج وهي تشكو من أنها دائمًأ تلعب دور المتفهم والمساعد وحلال المشاكل والتي تفكر وتدبر شؤون المنزل من لا شيء وتشجع زوجها على الادخار والاستثمار. لكن، إذا حضرت هي وزوجها مناسبة اجتماعية أو تجمع مع والدته وأسرته، فإنه لا يعزز حضورها ويتعمد تجاهلها طوال المناسبة وإذا تكلم فأنه أما ينتقدها وينتقد المواقف والناس أو يتكلم عن نفسه ووجهة نظره في الحياة.
وعندما سألتها عن طفولتها، تحدثت كثيرًا عن والدها وإلي أي مدى كان شخص عظيم (من وجهة نظرها)، والدها يعتبر كان حاضر معنا في جلسة العلاج ومعتقداته وأحاكمه التي دائما يقولها للسيدة.
قالت السيدة (ك) أنها تحاول دائمًا أن تكون مثل والدها. لأنها كانت تسعى جاهدة لكسب اعترافه واهتمامه. كانت تقدم له كل شيء يريده وكانت مساعدته في الحسابات والمسؤوليات وفي كل مرة يحتاجها كانت تستجيب لأوامره، وكانت تتحمل المسؤولية بشكل كبير في العائلة. ومع ذلك، لم يعطيها والدها إحساس بالرضا والعرفان بل كان يتجاهلها باستمرار.
بعد عدة جلسات، ظهرت الصورة واضحة - السيدة (ك) كانت تعيش في ظل نمط سلوكي نرجسي طوال طفولتها، لكنها لم تلاحظ ذلك بنفسها أبدًا بسبب غسيل دماغ الذي كان يفعله والدها.
من هو الأب النرجسي؟
الأب النرجسي يركز بشدة على نفسه واحتياجاته الشخصية، لدرجة أنه ينظر إلى طفله على أنه مصدر إزعاج أو مجرد شيء إضافي ظهر في حياته بسبب الأم التي تريد الإنجاب، ولا يريد الاعتراف بوجوده أو تقديره إلا إذا كان مصدر فخر أو كان مفيد له.
وعادة ما يتأثر الأطفال الذين تربوا على يد أب نرجسي بهذه التربية القاسية والخالية من الحب حتى فترة ما بعد البلوغ.
أعراض الأب النرجسي:
الأب النرجسي مغرور ولا يتحمل مسؤولية التربية ويسبب الألم والمعاناة لمن حوله، هو شخص نرجسي مع الجميع، ويمكن أن تظهر أعراض الأب النرجسي في العديد من المواقف:
- في العلاقة مع أبنائه: عندما يعاملهم كأدوات لتحقيق أهدافه الشخصية. يتوقع هذا الأب من أبنائه أن يحققوا إنجازات كبيرة ولنسبة مئة بالمئة في الدرجات الدراسية والشكل المظهري والاجتماعي ويشعر بالفخر بنفسه عند تحقيقهم لها. كما أنه يشعر بالغيرة الشديدة من نجاحهم، ويحاول التقليل من شأنهم. (ستحدث بالتفصيل عن هذه النقطة)
- في العلاقة مع شريكة حياته: يعامل الأب النرجسي زوجته كشيء يملكه. يتوقع منها أن تكون حسب ما يريد وأن تنفذ كل رغباته بطريقة مثالية بدون أي تذمر، وفي المقابل لن يكون داعم لاحتياجاتها أو مشاعرها.
- في العمل: يعامل النرجسي زملائه في العمل أو رؤسائه بطريقة متعجرفة، ويشعر أنه الأكثر فهم ودراية من الآخرين، ويتوقع منهم أن يعاملوه باحترام خاص.
تعامل الأب النرجسي مع ابنائه
تأثير الأب النرجسي على علاقات أبنائه؟
سلوك الأب النرجسي يأثر بشكل سلبي على علاقته مع أبنائه، وتأثير هذا السلوك النرجسي يستمر معهم من الطفولة حتى يومنا هذا. لنلقِ نظرة على بعض الطرق التي يؤثر بها الأب النرجسي على حياة أبنائه:
- الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس: يشعر الأبناء الذين لديهم أب نرجسي بالنقص وعدم الثقة بالنفس. قد يعتقدون أنهم غير جيدين بما يكفي، وأنهم لن يتمكنوا من تحقيق أي شيء في حياتهم.
- المشاكل السلوكية والعاطفية: قد يعاني الأبناء الذين لديهم أب نرجسي من مشاكل سلوكية وعاطفية، مثل العدوانية، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات الأكل.
- عدم الأمان والتضحية: قد يجد الأبناء الذين لديهم أب نرجسي صعوبة في بناء علاقات صحية مع الآخرين. قد يعتقدون أنهم غير قادرين على الثقة بالآخرين، أو أنهم سيتعرضون للخيانة.
لا يمكن للأب النرجسي أن يشعر بالحب المعطاء والغير المشروط لأطفاله - فكل اهتمام وكل اعتراف بحقوق الطفل يخدم في النهاية حب النرجسي لذاته.
طبيعي أن تجد علاقة هذا الأب مع ابنائه تعتمد على الخوف هو يفرض سيطرته ويجعلهم خائفون وهو نفسه يخاف من فقدان السيطرة عليهم.
علاقة الصداقة عند الابناء الذين تربوا مع أب نرجسي
من المنطقي أن يبذل الأب النرجسي قصارى جهده حتى يبقى الطفل معتمد عليه وبعيد عن كل الأصدقاء. طبيعي أن يشوه الأب النرجسي صورة أصدقاء الطفل، لأن الصداقات الصحية تمثل خطورة على هذا الأب.
في نظر الأب، قد يظهر أمام الطفل آراء أخرى خارج نطاق العلاقة التكافلية مع النرجسي. لذا سيحرص الأب على تشوية صورة ابنائه أمام الناس وكذلك تشوية صورة الأصدقاء أمام ابنائه. لأن برأيه أن الطفل لا يحتاج ولا يريد أصدقاء.
ولسوء الحظ، فإن الأطفال الذين لديهم آباء نرجسيين هم أيضًا أكثر عرضة للأصدقاء السامين. ولأنهم يعرفون جيدًا دورهم كرفاق متعاطفين وحساسين، فإنهم غالبًا ما يجذبون الأصدقاء اللذين لديهم ميول نرجسية. يعتقد هؤلاء الأطفال أنهم بحاجة إلى كتف قوية ليتكئوا عليها، لكنهم معتادون على تلبية احتياجات وألعاب أصدقائهم المفترضين. لذا فهم يفضلون أن يكونوا في ظل الصديق "العظيم" أو الصديقة "المميزة".
ومن الممكن أيضًا أن يكوّن الأطفال الذين تربوا مع أب نرجسي صداقات صحية مبنية على الاهتمام والرعاية المتبادلة. لكن، حتى يجد الطفل صديق مناسب يجب أن يكون لديه وعي بالصداقة الصحية.
علاقات الحب عند ابناء الأب النرجسي
قد تشعر الفتاة التي تربت على يد أب نرجسي في مرحلة ما وكأنها تبحث عن صورة الأب في شريك حياتها. لأن هذه الفتاة لم تتعلم ابدا ما هو الحب الصحي والمتبادل وما هو الفرق بين الحب الأبوي والحب الطبيعي. لقد خلقت مرحلة الطفولة السامة في نفسها فجوة مظلمة وهي تحاول باستمرار ملئها بالحب.
ومع ذلك، في هذه المحاولة غالبا ما تلجأ هذه الفتاة إلى الشخص الخطأ. وللأسف لن يتم تلبية احتياجاتها الطفولية العاطفية حتى في العلاقات الجديدة في مرحلة الكبر، وقد تبحث الفتاة عن شخص يهتم بها ويشعرها بالقلق والخوف مرة أخرى.
تتصرف هذه الفتاة بهذه الطريقة لأن لديها رغبة في شفاء جروحها القديمة مع الأب. وجرح نفسها مرة أخرى هي طريقتها في شفاء نفسها، لذا هي تبحث عن شخص سام وتتصرف معه نفس الطريقة التي تعلمتها من الأب، لأنها تريد فتح الجروح القديمة.
العلاقة مع نفسك: لن تكون جيدًا بما فيه الكفاية أبدًا
من بين جميع العلاقات التي يخربها الأب النرجسي، ستكون العلاقة مع احترامنا لذاتنا وهويتنا هي العلاقة الأكثر معاناة، والتي هي السبب في جميع المشاكل الأخرى.
أي شخص يكبر مع شخص نرجسي يتعلم شيئًا واحدًا وبسرعة كبيرة (ليست مشاعري واحتياجاتي هي التي تهم، بل مشاعر واحتياجات والدي). يجب أن يتدرب الطفل على استشعار كل مشاعر النرجسي من أجل حماية نفسه من نوبات الغضب أو الخسة أو العقاب.
إذا تجرأ الطفل على الوقوف في وجه الأب أو إطلاق العنان لمشاعره، فسوف يتلقى النقد والمعايرة وستزيد بداخله مشاعر الخجل.
لا يستطيع الأب النرجسي ولا يريد أن يشعر بعدم الأمان الموجود في شخصيته النرجسية - وإذا رآى مشاعر التدني والضعف في طفله، فإنه يرى ذلك على أنه ضعف يجب عليه معاقبته وصب غضبه عليه. الأب في هذه الحاله يريد يحمي نفسه من مشاعره الداخليه السلبية فيفرغ كل غضبه على أطفاله.
غالبًا ما يكون الشخص الذي تربى مع أب نرجسي طموح جدًا وملتزم في العمل والدراسة من أجل التغلب على تدني احترامه لذاته. وتكون النتيجة غالبًا الإرهاق المزمن أو التعب أو اضطرابات الأكل. ومن ناحية أخرى، هناك بعض الابناء الذي يرفضون أي نوع من العمل، وينتهي بهم إلى الحال دوامة الإدمان والاكتئاب.
هل ابن الأب النرجسي سيبقى متضررًا إلى الأبد؟
إن التربية على يد شخص نرجسي تترك الكثير من الجروح بدخلنا، وكما سبق ووصفته لكم، عادة ما يكون هناك ثقب مظلم بداخلنا نتتوق إلى ملؤه بالحب الذي كان مفقودًا في فترة الطفولة وما زال مفقودًا حتى اليوم.
الخبر السار: يمكن ملء هذا الفراغ، وهذه الجروح قابلة للشفاء، على عكس اضطراب الشخصية النرجسية الذي من الصعب علاجه. لكن الجروح الذي سببها بداخلك الأب النرجسي يمكن علاجها من خلال تطوير استراتيجيات حب الذات وفهم طرق جذب الأشخاص إلى حياتك والذين سيقبلونك ويحبونك بالطريقة التي تستحقها.
أقرأ أيضًا على موقع لارسا
عقدة إهمال الأب عند النساء: إليك الدليل الكامل