السيناريست تامر حبيب
(كل واحد منا له فيلمه الخاص في الحياة، ولا أريد فيلمي أن يشبه أحد)
ــــــــــــ
لم يكن تامر حبيب يريد أن يكون صاحب شركات مثل والده، لأن السينما تعيش في قلبه وروحه، ومن بداية أعماله استطاع نقل الزمن الجميل إلى السينما المعاصرة. هو شخص متواضع لكنه جاد مع نفسه ويسعى إلى تحقيق أحلامه. هدفه هو إعطاء العلاقات الإجتماعية الدفء الذي تستحقه على الشاشة.
تامر حبيب: "أنا مفتون بالسينما وأحببت القراءة ومشاهدة التلفزيون جدًا، وقررت أن أكون ممثل وأنا في عمر خمس سنوات لأني كنت وقتها أعتقد أن الممثل هو المسئول عن الفيلم. وفي كل خروجة كنت أختار السينما بدل النادي. في فترة الثانوي، رؤيتي تغيرت، وكان عندي إحساس أني أريد التعبير عن نفسي بطريقة مختلفة. افتكر في مرة كنت أقرأ رواية (بين القصرين) لنجيب محفوظ، وكان عندي إحساس بالأجواء والشخصيات لدرجة أن كل جزء أقرأه أراه في خيالي، وقُلت لنفسي أن يومًا ما سأكون مخرج. بعدها عرفت أن ما أقوم به هو فن السيناريو".
إن حقيقة إصراره على تحقيق حلم حياته لها علاقة بطفولته عندما كان يكتب مواضيع التعبير والقصص باللغتين العربية والإنجليزية. ولها علاقة أيضًا بالدعم الذي تلقاه من والديه.
تامر حبيب: "عائلتي كانت دائمًا تشجعني. أمي كانت الشخص الرئيسي الذي كان بجانبي في كل خطوة، فهي تحب السينما بشغف كبير. ووالدي أيضًا كان متذوق للفن لكنه كان معترض على معهد السينما لأنه كان يعتقد أن الدراسة غير ضرورية حتى أكون سيناريست".
ما أهمية الدراسة إذا كنت موهوب؟
تامر: "كنت أريد أن انغمس في هذا العالم لهذا قررت دخول معهد السينما، وأول مرة تقدمت بعد الثانوية العامة - تم رفض طلبي من المعهد بسبب عدم وجود واسطة. وبعد تخرجي من كلية التجارة قمت بإدارة أعمال والدي لفترة، وقررت تقديم أوراقي للمعهد للمرة الثانية ولم أدخل معهد السينما إلا متأخر وأنا في سن الثلاثين. ولم يكن معي واسطة هذه المرة أيضًا، لكن تم قبولي. ورب ضارة نافعة، لأن كتابة الأفلام تحتاج إلى خبرة ورؤية قوية للحياة. صحيح أن الموهبة لها دور مهم في الكتابة، لكن دراسة فن السيناريو جعلتني أتقن ترتيب وسرد القصة من البداية إلى النهاية".
ما الذي يجعل مهنة السيناريست جذابة بالنسبة لك؟
تامر حبيب: "الحمدلله أحب مهنتي جدًا. الطريقة التي يتفاعل بها الجمهور مع الحدوتة التي أحكيها لأنها قصص عن ناس تشبهنا وعن علاقات عاطفية. أنا لا أريد تقديم دروس في الحياة لكن أريد تقديم عمل يعلن عن جوانب أخرى في شخصيتنا علينا تقبلها. وأكثر شيء بحبه في عملي أنه يقربي جدًا من الناس، وأسعد لحظاتي عندما أقابل أشخاص لأول مرة ولكن تحدث بيننا ألفة وتفاهم بسرعة وكأن في رابطة شخصية بينهم وبيني وهذا يزيد شعوري بالرضا والحب تجاة عملي".
فيلمه الأول (سهر الليالي) 2003 أحببناه بسبب واقعه المعاصر، الفيلم كان يطرح سؤال (هل التفاهم وحده يكفي لتستمر العلاقة الجنسية والحب والإحساس بالمسئولية تجاه أحبائنا؟).
جعلت البطلات في فيلم "سهر الليالي" يعبرن عن رغباتهن، وفي فيلم "تيمور وشفيقة" جعلت البطلة وزيرة وهي في سن صغيرة، فهل تريد خلق شخصيات نسائية قوية؟
تامر حبيب: "أنا مهتم بإعادة النظر في شخصية المرأة لأنها مظلومة. السينما الحالية تعتمد على الأفلام الكوميدية والأبطال الرجال. بعكس فترة الخمسينات والستينات وحتى أوائل الثمانينات، التي كان فيها تنوع حقيقي، والمرأة كان لها دور أساسي كبير مثل أفلام سعاد حسني - فاتن حمامة - نادية لطفي - تحية كاريوكا وغيرهم. وفي أعمالي أبحث عن إعادة هذا الدور إلى الواجهة. أنا لا أريد ان تكون المرأة قوية ولكن لها شخصيتها".
وهل الرجل يعبر عن نفسه في السينما؟
تامر: "طبعا، بالعكس الرجل في الأفلام يتكلم ويتناقش أحسن من الرجل في المجتمع. في أغلب الأحيان السينما تصور الرجل على أنه هو من يتحمل المسئولية ويمسك زمام الأمور. لكن في الحقيقة الرجل يريد العيش بهدوء، ولا يريد أن يتكلم عن المشاكل، ويعامل المرأة بنفس الطريقة التي يعالج بها مشاكله وهذا هو مصدر الخلاف بينهم. أنا أشعر أن المرأة هي المسئولة والرجل طفل. وهذا أجن جزء من ذكاء المرأة. في جملة كتبتها في فيلم (واحد صحيح): - احنا مديينكو الدراكسيون، لعبة تلعبوا بها بيب بيب. بس إحنا اللي سايقين- وأرى أن المرأة الذكية هي التي تشعر الرجل أنه من يقوم بكل شيء ولكنها في الحقيقة هي من تقود الحياة".
برأيك هل تعبر عن المرأة أكثر أم الرجل؟
تامر حبيب: "يمكن عن المرأة أكثر. أنا موافق جدًا إننا نعيش في مجتمع ذكوري والرجل يستعرض فيه ذراعيه. والسينما هي مرآة المجتمع. طوال عمري مقتنع إن الحياة راجل وامرأة النصف بالنصف، ومن وجهة نظري المرأة كائن يمارس عليه الضغوط ومقهور. في نفس الوقت، هي عندها درجة من الذكاء يجعلها أحيانًا تبالغ في دور المقهورة حتى تأخذ حقها. وهذا يعني أن شخصية المرأة فيها من الدراما أكثر وأغنى من الرجل وتواجه الصراعات بطريقة مختلفة. لكن، لا أقول أنها ضحية مئة بالمئة".
ما الذي تريده من كتابة السيناريوهات؟
تامر حبيب: "أريد تقديم أفضل سيناريو للمشاهد بكل تفاصيله ليعيش فيه قصص مؤثرة تلامس قلبه ويشعر معها بالتواصل والتعاطف وحب الحياة. أود أن يرى الجانب الجميل من الصداقة والمحبة بين الناس، أود أن يرى علاقات فيها تفاصيل مختلفة وفيها تسامح وتعاون وأن يرى الدنيا بمنظور مختلف".
من هو السيناريست الذي تأثرت به؟
تامر: "قدوتي في عالم السينما هما اثنين عظماء (داوود عبد السيد) و (وحيد حامد). أعمالهم الفنية والتأثير الذي تركوه على الجمهور لا يمكن نسيانه. لا أسعى لأن أكون مثلهم تمامًا، ولكن ما أتمناه هو أن يكون لدي نفس التأثير الذي كان لديهم على الجمهور".
قدمت مسلسلات تتكلم عن المرض النفسي مثل مسلسل (خاص جدا)، وأخرى تحكي عن حياة الفنان مثل مسلسل طريقي، كيف تفرق بين الدراما النفسية والشخصية؟
تامر حبيب: "كل أنواع الدراما لها علاقة بعلم النفس، بالنسبة لي، علم النفس ودراسة الشخصيات يساعدني في الكتابة مهما كان نوع الدرما التي اقدمها. فكل منا لديه تركيبة نفسية فريدة، وفهم هذه التراكيب واختلاف الشخصية من شخص إلى شخص هو جوهري جدًا في أي عمل فني. على سبيل المثال: في مسلسل (خاص جدًا) كان هناك دراما مركبة بين يسرا وصراعها الداخلي وتفاعلها مع عائلتها. حتى شخصيات المرضى النفسيين كانت تشكل جزء من الصراعات الداخلية والتحديات العاطفية. أنا أرى أن علم النفس شيء أساسي ولا يمكن لأي مؤلف أن ينجح بدون أن يكون ملم به واستكشاف الشخصيات باستمرار".
(الموضوع دايما له علاقة بالحب. يا إما أنت بتحب اللي بتحبه وهو بيحبكش... يا أما اللي بيحبك ما بتحبهوش... يا أما مش عارف تحب الآخر... يا أما مش عارف تخلي الآخر يحبك يا أما مش عارف تحب نفسك). من فيلم (حب البنات) 2004 - سيناريو وحوار تامر حبيب |
ما هي المهارات التي يجب أن يمتلكها السيناريست الجيد؟
تامر حبيب: "الصدق في الكتابة. السيناريت هو قارئ جيد ومتابع للأفلام ولديه قدرة على قراءة ما بين السطور وفهم الرسائل العميقة وتحليلها ويجب أن يكون شديد الملاحظة. والمهم أن يكون عنده الموهبة في التعبير عن نفسه. أحيانا كثيرة عندما انتظر شخص في مكان، ويتأخر. أقضي الوقت في مشاهدة الناس ومراقبة ردود فعلهم على الأشياء البسيطة وأحب الاستماع للأشخاص المحيطين بي، وألاحظ طريقة حديثهم ولهجتهم، وكيف يتفاعلون مع بعضهم البعض. هذه الملاحظات يمكن أن تساعدني في خلق شخصيات مختلفة في القصة".
أخبرني شيئًا لا يعرفه الكثير من الناس عنك
تامر: "أنا شخص أتأثر وأبكي بسرعة".
يضيف تامر: "وأجيد الطبخ. أحب تجربة الأكلات وأنا ممتاز في عمل صنفين. الأول الباستا واطبخها كل مرة بصوص مختلف، والأكلة الثانية الشوربة. أعشق تحضير الشوربات، وبين أصحابي أنا مشهور بشوربة أسمها (اليخني)، وهي عبارة عن شوربة من الخضار المقرمش مع بصل متوسط النضج ومعكرونة لسان العصفور وكريمة خفيفة. لذيذة جدًا، واعتبرها وجبة غذاء كاملة بالنسبة لي".
ما هي عاداتك عند الكتابة؟
تامر: "أولاً الموسيقى، بحب المزيكا والأجواء المريحة، وثانيًا لا أتخيل يومي من غير المياه لا أعرف ما هو السبب لكن أشعر بالراحة ومعي كمية كبيرة من المياه. للأسف، أعترف عندي عادة سيئة وهي التدخين. ثم أجلس للكتابة لساعات متواصلة وأنا فقط أنظم أفكاري، وأحيانًا أعمل 12 ساعة متواصلة وأنا مستمتع جدًا بالعزلة في البيت والتركيز في عملي والمكان كله يتحول إلى عالم خاص بي وبأفكاري بدون قيوود".
كيف اكتشفت موهبتك في التمثيل وكاتبة الأغاني؟
تامر حبيب: "التمثيل بالنسبة لي لعبة استمتع بها طول الوقت، بدأت تمثيل من سنة أولى معهد عندما قابلت صديقي حميد الشاعري، وقتها كان يصور فيلمًا بعنوان "قشر البندق"، مع الأستاذ خيري بشارة، ثم تحدثنا، وفي نهاية الجلسة، قال لي الأستاذ خيري: "هل تحب أن تمثل معانا في الفيلم، ووافقت". في الحقيقة أنا بحب وقت التصوير وتواجدي في اللوكيشن. بغض النظر إذا كنت ممثل متمكن أم لا، لكن أنا بحب التمثيل".
فجائتنا بأغنية (تلات دقات)
تامر: "لم أكن أعرف أن لدي أي قدرة على تأليف أغنية، والشخص الذي يجب أن يحصل على الشكر هو الفنان (أبو)، فهو الذي قال لي معي لحن ولا أجد له كلمات تليق به، وسمعت منه اللحن وكان لذيذ جدًا. هكذا أمسكت ورقة وقلم وكتبت أغنية (تلات دقات). بعدها تعاونت مع إليسا في أغنية (قبل أي حد) وأول أغنية كتبتها كانت أغنية (عيد الميلاد) من فيلم سهر الليالي".
هل تفكر في تجربة الإخراج في المستقبل؟
تامر حبيب: "لا يمكن أكون مخرج. هذه مسئولية كبيرة جدًا والمخرج هو مسؤول عن كل جانب من جوانب العمل السينمائي. الإخراج يلزمه موهبة فريدة لأن فيه تحدي مختلف تمامًا لإدارة العمل الفني. على الرغم من أنني أستمتع بالتمثيل والكتابة، إلا أنني لا أرغب في أن أكون مخرجًا".
ما هو الفيلم والمسلسل والمشهد الذي يعتبره تامر حبيب أفضل أعماله؟
تامر: "بحب كل أعمالي، لكن الأقرب لقلبي هو فيلم (عن العشق والهوى) -المسلسل (شربات لوز) هو أكثر مسلسل بحبه جدًا - بالنسبة لمشهد، صعب أحدد مشهد واحد لكن ممكن مشهد البرجولة من فيلم سهر الليالي عندما ذهب أحمد حلمي لمصالحة خالد أبو النجا".
مسلسل جراند أوتيل - للسينارسيت تامر حبيب |
ماهي القاعدة الأساسية التي تؤمن بها في الحياة؟
تامر حبيب: "قواعد حياتي أني أكون نفسي بكل صدق وأن أقبل نفسي وأقبل الآخرين. لا أحب التزيف وأؤمن بأن لكل شخص قصته الفريدة، وكل واحد منا له فيلمه الخاص في الحياة، ولا أريد فيلمي أن يشبه أحد. أرغب في أن أعيش حياتي التي اخترتها لنفسي، وأن أكون صادقًا مع ذاتي، سواء على المستوى المهني أو الشخصي. أعتقد أن عندما يكون الإنسان صادق مع نفسه ويعيش حياته بصدق، فإنه يصبح جذابًا وساحرًا بالنسبة للآخرين. الصدق والأصالة تجذب الناس وتلهمهم، وهذا هو ما أسعى إليه في حياتي.
تامر حبيب، أنت حاصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة أفضل سيناريو من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن فيلم "واحد صحيح". ما هي أكثر جائزة تحبها؟
تامر: "أحب الجوائز التي تأتي من الجمهور أكثر من أي شيء آخر. عندما يحصل فيلمي على جائزة الجمهور في أي مهرجان، فإن ذلك يجعلني سعيدًا جدًا. ولله الحمد، حصلت على هذه الجوائز في عدة مناسبات".